سورة طه - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}
{مِنْهَا} أي من الأرض {خَلَقْنَاكُمْ} يعني أباكم آدم. وقال عطاء الخراساني: إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذرّهُ على النطفة، فيخلق من التراب، ومن النطفة فذلك قوله سبحانه {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ}.
{وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} أي عند الموت والدفن، قال عليّ: «إن المؤمن إذا قبض الملك روحه انتهى به إلى السماء، وقال: يا ربِّ عبدك فلان قبضنا نفسه فيقول: ارجعوا فإنّي وعدتهُ: منها خلقناكم وفيها نعيدكم فإنّه يسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين».
{وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} مرَّة أُخرى بعد الموت عند البعث.
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ} يعني فرعون {آيَاتِنَا كُلَّهَا} يعني اليد والعصا والآيات التسع {فَكَذَّبَ} بها وزعم أنّها سحر {وأبى} أن يُسلم {قَالَ} فرعون {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا} يعني مصر {بِسِحْرِكَ ياموسى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} فاضرب بيننا وبينك أجلاً وميقاتاً {لاَّ نُخْلِفُهُ} لا نجاوزه {نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى} مستوياً. قرأ الحسن وعاصم والأعمش وحمزة سُوى بضم السين، الباقون: بكسر وهما لغتان مثل عُدي وعِدَي، وطُوى وطِوى.
قال قتادة ومقاتل: مكاناً عدلاً بيننا وبينك، وقال ابن عباس: صفاً، وقال الكلبي: يعني سوى هذا المكان، وقال أبو عبيد والقيسي: وسطاً بين الفريقين، وقال موسى بن جابر الحنفي:
وإن أبانا كان حلّ ببلدة *** سوىً بين قيس قيس عيلان والفزر
الفزر: سعد بن زيد مناة.
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} قال ابن عباس وسعيد بن جبير: يعني يوم عاشوراء.
وقال مقاتل والكلبي: يوم عيد لهم في كل سنة يتزيّنون ويجتمعون فيه.
وروى جعفر عن سعيد قال: يوم سوق لهم، وقيل: هو يوم النيروز.
وقرأ الحسن وهبيرة عن حفص يومَ الزينة بنصب الميم أي في يوم، وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء والخبر.
{وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} وقت الضحوة، يجتمعون نهاراً جهاراً ليكون أبلغ في الحجة وأبعد من الريبة. {فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} حِيَلِه وَسَحَرَتَه {ثُمَّ أتى} الميعاد.
قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعون ساحراً مع كل واحد منهم حبل وعصا، وقيل: كانوا أربعمائة.
{قَالَ} موسى للسحرة {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم} قرأ أهل: الكوفة فيسُحِتكم بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء، وهما لغتان: سحتَ وأسحت.
قال مقاتل والكلبي: فيهلككم، وقال قتادة: فيستأصلكم، وقال أبو صالح: يذبحكم، قال الفرزدق:
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع *** من المال إلاّ مسحت أو مجلف
{فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ النجوى} أي المناجاة تكون اسماً ومصدراً. {قالوا إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} قرأ عبد الله: واسرّوا النجوى إن هذان ساحران بفتح الألف وجزم نونه ساحران بغير لام، وقرأ ابن كثير وحفص إن بكسر الالف وجزم النون هذان بالألف على معنى ما هذان إلاّ ساحران، نظيره: قوله: {وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين} [الشعراء: 186] قال الشاعر:
ثكلتك أُمكّ إن قتلتَ لمُسلماً *** حلّت عليك عقوبة الرَّحْمن
يعني ما قتلت إلاّ مسلماً، يدل على صحة هذه القراءة قراءة أُبي بن كعب: إن ذان إلاّ ساحران، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي وأبو عمر بن علاء: إن هذين لساحران بالياء على الأصل، قال أبو عمرو: واني لإستحي من الله أن أقرأ إنّ هذان، وقرأ الباقون: إنّ بالتشديد هذان بالألف واختلفوا فيه، فقال قوم بما أخبرنا أبو بكربن عبدوس وعبد الله بن حامد قالا: حدَّثنا أبو العباس الأصم قال: حدَّثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدَّثنا الفرّاء قال: حدَّثني أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت عن قوله سبحانه في النساء {لكن الراسخون} [النساء: 162] {والمقيمين} [النساء: 162] وعن قوله في المائدة {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون} [المائدة: 69] وعن قوله: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] فقالت: يا بن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان بن عفان: إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان: قرئت هذه الآية عند عثمان فقال: لحن وخطأ، فقيل له: ألم تغيّره فقال: دَعُوه فإنّه لا يُحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً، وقال آخرون: هذه لغة الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة يجعلون الأسين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قال الفرّاء: أنشدني رجل من بني الأسد وما رأيت افصح منه.
وأطرق إطراق الشجاع ولو ترى *** مساغاً لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: كسرت يداه، وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه. وقال الشاعر:
تزوّد منّا بين أُذناه ضربة *** دعته إلى هابي التراب عقيم
أراد بين أُذنيه. وقال آخر:
أي قلوص راكب نراها *** طاروا علاهنّ فطر علاها
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إنَّ أباها وأبا أباها *** قد بلغا في المجد غايتاها
وروي أنّ أعرابياً سأل ابن الزبير شيئا فحرّمه فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، يعني نعم. وقال الشاعر:
بكرتْ عليّ عواذلي يلحينني وألو مهنَّه ***
ويقلن شيبٌ قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه أي نعم، وقال الفراّء: وفيه وجه آخر: وهو أن يقول: وجدت الألف دعامة من هذا على حالها لا تزول في كل حال، كما قالت العرب: الذي ثمَّ زادوا نوناً يدلّ على الجمع فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم وكناية تقول: اللَّذوُنَ.
{يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} حدَّث الشعبي عن عليّ قال: يصرفا وجوه الناس إليهما وهي بالسريانية.
وقال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم وقال مقاتل والكلبي: يعني الأمثل فالأمثل من ذوي الرأي والعقول.
وقال عكرمة: يعني يذهب أخياركم.
وقال قتادة: طريقتكم المُثلى يومئذ، بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عدداً يومئذ وأموالاً، فقال عدو الله: إنما يريدان أن يذهبا به لأنفسهما.
وقال الكسائي: بطريقتكم يعني بسنّتكم وهديكم وسمتكم، والمثلى نعت للطريقة، كقولك امرأة كبرى، تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى يعني على الهدى المستقيم.
قال الشاعر:
فكم متفرقين منوا بجهل *** حدى بهم إلى زيغ فراغوا
وزِيغ بهم عن المثلى فتاهوا *** وأورطهم مع الوصل الرداغُ
فزلّت فيه أقدام فصارت *** إلى نار غلا منها الدماغ
والمثلى تأنيث الأمثل.
{فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} قرأ أبو عمرو فاجمعوا بوصل الألف وفتح الميم، من الجمع يعني لا تدعوا شيئاً من كيدكم إلا جئتم به، وتصديقه قوله: فجمع كيده، وقرأ الباقون: فأجمعوا بقطع الألف وكسر الميم وله وجهان: أحدهما: بمعنى الجمع، يقول العرب: أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد. قال أبو ذؤيب:
فكأنّه بالجزع جزع يتابع *** وأولاه ذي العرجاء تهب مجمّع
والثاني: بمعنى العزم والأحكام، يقول: أجمعت الأمر وأزمعته، وأجمعت على الأمر وأزمعت عليه إذا عزمت عليه. قال الشاعر:
ياليت شعري والمنى لا تنفع *** هل أغدونْ يوماً وأمري مجمع
أي محكم، وقد عزم عليه كيدكم ومكركم وسحركم وعلمكم.
{ثُمَّ ائتوا صَفّاً} قال مقاتل: والكلبي: جميعاً، وقيل: صفوفاً، وقال أبو عبيد: يعني المصلّى والمجتمع، وحُكي عن بعض العرب الفصحاء: ما استطعت أن آتي الصفّ أمس، يعني المصلّى.
{وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} يعني فاز من غلب.
{قَالُواْ} يعني السحرة {ياموسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ} عصاك من يدك {وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} عصاه {قَالَ} موسى {بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} وهو جمع العصا {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} قرأ ابن عامر بالتاء، ردّه إلى الحبال والعصيّ، وقرأ الباقون: بالياء ردّوه إلى الكيد أو السحر، ومعناه شبّه إليه من سحرهم حتى ظنّ {أَنَّهَا تسعى} أي تمشي، وذلك أنّهم كانوا لطّخوا حبالهم وعصيّهم بالزئبق فلمّا أصابه حرّ الشمس ارتهشت واهتزت فظنّ موسى أنها تقصده {فَأَوْجَسَ} أي أحسَّ ووجد، وقيل: أضمر {فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} قال مقاتل: إنّما خاف موسى إذ صنع القوم مثل صنيعه ان يشكّو فيه فلا يتبعوه ويشك فيه من تابعه.
{قُلْنَا} لموسى {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} الغالب {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} يعني العصا {تَلْقَفْ} تلتقم وتلتهم {مَا صنعوا إِنَّمَا صَنَعُواْ} يعني إنّ الذي صنعوا {كَيْدُ سَاحِرٍ} قرأ أهل الكوفة بكسر السين من غير ألف، وقرأ الباقون: ساحر بالألف على فاعل، واختاره أبو عبيد، قال: لأنَّ إضافة الكيد إلى الرجل أولى من إضافته إلى السّحر وإن كان ذلك لا يمتنع في العربية.
{وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} من الأرض، وقيل: معناه حيث احتال.
{فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّداً قالوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ} يعني به كقوله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] {قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} لرئيسكم ومعلّمكم {الذي عَلَّمَكُمُ السحر فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} يعني الرجل اليسرى واليد اليمنى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} يعني جذوع النخل، قال سويد بن أبي كاهل:
وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة *** فلا عطست شيبان إلاّ بأجدعا
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً} أنا أو ربّ موسى {وأبقى * قَالُواْ} يعني السحرة {لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات} قال مقاتل: يعني اليد والعصا.
وأخبرنا البيهقي والاصفهاني قالا: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا أبو الأزهر، قال: حدَّثنا روح قال: حدَّثنا هشام بن أبي عبد الله عن القاسم بن أبي برزة قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا حتى جعل موسى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوحى الله سبحانه أن ألق عصاك، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فاغرفاه، فابتلع حبالهم وعصيّهم وأُلقي السحرة عند ذلك سجداً فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها، عند ذلك قالوا {لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات} يعنى الجنة والنار وما رأوا من ثوابهم ودرجاتهم.
قال: وكانت امرأة فرعون تسأل: من غلب؟ فيقال: غلب موسى، فتقول: آمنت برب موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها فأتوها فإنْ هي رجعت عن قولها فهي امرأته، وإنْ هي مضت على قولها فألقوا عليها الصخرة، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأريت بيتها في الجنة فمضت على قولها وانتزعت روحها، والقيت على جسد لا روح فيه.
{والذي فَطَرَنَا} يعني وعلى الذي خلقنا، وقيل: هو قسم {فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ} فاحكم ما أنت حاكم، واصنع ما أنت صانع من القطع والصلب {إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ} يقول: إنّما تملكنا في الدنيا ليس لك علينا سلطان إلاّ في الدنيا {إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} قال مقاتل: كانت السحرة اثنين وسبعين ساحراً، اثنان منهم من القبط وهما رأسا القوم، وسبعون منهم من بني إسرائيل، وكان فرعون أكره أُولئك السبعين الذين هم من بني إسرائيل على تعلّم السحر.
وقال عبد العزيز بن أبان: إنّ السحرة قالوا لفرعون: أرنا موسى إذا نام، فأراهم موسى نائماً وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون: انَّ هذا ليس بسحر، إنّ الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى عليهم إلاّ أن تعملوا فذلك قوله: {وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر} {والله خَيْرٌ وأبقى} منك لأنّك فان هالك {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ} في الآخرة {مُجْرِماً} مشركاً يعني بات على الشرك {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلاَ يحيى} حياةً تنفعه.
{وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً} مات على الإيمان {قَدْ عَمِلَ الصالحات فأولئك لَهُمُ الدرجات العلى} الرفيعة في الجنة {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك جَزَآءُ مَن تزكى} أي صلح، وقيل: تطهّر من الكفر والمعاصي. وقال الكلبي: يعني أعطى زكاة نفسه وقال: لا إله إلاّ الله.


{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)}
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أي سر بهم أول الليل من أرض مصر.
{فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً} يابساً ليس فيه ماء ولا طين {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً} من فرعون خلفك {وَلاَ تخشى} غرقاً من البحر أمامك، وقرأ حمزة: لا تخف بالجزم على النهي، الباقون: بالألف على النفي، واختاره أبو عبيد لقوله: ولا تخشى رفعاً ودليل قراءة حمزة قوله: «يولوكم الأدبار ثمَّ لا تنصرون» فاستأنف، قال الفرّاء: ولو نوى حمزه بقوله: ولا تخشى الجزم، لكان صواباً. وقال الشاعر:
هجوت زماناً ثم ملت معتذراً *** من سب زمان لم يهجُو ولم يذع
وقال آخر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي *** بما لاقت لبوت بني زياد
{فَأَتْبَعَهُمْ} فلحقهم {فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ} أصابهم {مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى} أي وما هداهم إلى مراشدهم، وهذا جواب قول فرعون: ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم ألاّ سبيل الرشاد، فكذّبه الله تعالى فقال: بل أضلهم وما هداهم.
قال وهب: استعار بنو إسرائيل حلياً كثيراً من القبط ثم خرج بهم موسى من أول الليل، وكانوا سبعين ألفاً فأخبر فرعون بذلك فركب في ستمائة ألف من القبط يقص أثر موسى، فلمّا رأى قوم موسى رهج الخيل قالوا {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] فقال موسى: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] فلمّا قربوا قالوا: يا موسى أين نمضي؟ البحر أمامنا وفرعون خلفنا، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فصار فيه اثنتا عشرة طريقاً يابسة، لكل سبط طريق، وصار بين كل طريقين كالطود العظيم من الماء، وكانوا يمرّون فيه وكلّهم بنو أعمام فلا يرى هذا السبط ذاك ولا ذاك هذا، فاستوحشوا وخافوا فأوحى الله سبحانه إلى أطواد الماء أن تشبّكي، فصارت شبكات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض.
فلمّا اتى فرعون الساحل وجد موسى وبني إسرائيل قد عبروا فقال للقبط: قد سحر البحر فمرّ، فقالوا له: إن كنت ربّاً فادخل البحر كما دخل، فجاء جبرئيل على رمكة وديق، وكان فرعون على حصان، وهو الذكر من الأفراس، فأقحم جبرئيل الرمكة في الماء، فلم يتمالك حصان فرعون واقتحم البحر على أثرها ودخل القبط عن آخرهم، فلمّا تلجّجوا أوحى الله سبحانه إلى البحر أن غرّقهم، فعلاهم الماء وغرّقهم.
قال كعب: فعرف السامري فرس جبرئيل، فحمل من أثره تراباً وألقاه في العجل حين اتّخذه.
{يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ} فرعون {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن} وقد مرَّ ذكره {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى * كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} هذه قراءة العامة بالنون والألف على التعظيم، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: أنجيتكم ووعدتكم ورزقتكم من غير ألف على التوحيد والتفريد {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} حلال {مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
{وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} قال ابن عباس: ولا تظلموا، وقال مقاتل: ولا تعصوا، وقال الكلبي: ولا تكفروا النعمة، وقيل: ولا تحرّموا الحلال، وقيل: ولا تنفقوا في معصيتي، وقيل: ولا تدّخروا، وقيل: ولا تتقووا بنعمي على معاصيّ.
{فَيَحِلَّ} يجب {عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ} يجب {عَلَيْهِ غَضَبِي} وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي: فيُحل ومن يُحلل بضم الحاء واللام أي ينزل.
{فَقَدْ هوى} هلك وتردّى في النار {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} من دينه {وَآمَنَ} بربّه {وَعَمِلَ صَالِحَاً} فيما بينه وبين الله {ثُمَّ اهتدى}.
قال قتادة وسفيان الثوري: يعني لزم الإسلام حتى مات عليه.
وقال زيد بن أسلم: تعلّم العلم ليهتدي كيف يعمل.
وقال الشعبي ومقاتل والكلبي: علم أنّ لذلك ثواباً.
وقال فضيل الناجي وسهل التستري: أقام على السنّة والجماعة.
وقال الضحاك: يعني استقام.
{وَمَآ أَعْجَلَكَ} يعني وما حملك على العجلة {عَن قَومِكَ} يعني عن السبعين الذين اختارهم موسى حين ذهبوا معه إلى الطور ليأخذ التوراة من ربّه فلمّا سار عجل موسى شوقاً إلى ربه وخلّف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل، فقال الله سبحانه له: وما أعجلك عن قومك {ياموسى} فقال مجيباً لربّه {هُمْ أولاء} يعني {على أَثَرِي} هؤلاء يجيئون {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} لتزداد رضاً {قَالَ} الله سبحانه {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {قَوْمَكَ} الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا {مِن بَعْدِكَ} من بعد انطلاقك إلى الجبل {وَأَضَلَّهُمُ السامري} يعني دعاهم وصرفهم إلى عبادة العجل وحملهم عليها.
{فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} حزيناً جزعاً {قَالَ ياقوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} صدقاً أنه يعطيكم التوراة {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد} مدّة مفارقتي إياكم {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ} يجب {عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي} وذلك أنَّ الله سبحانه كان قد وقّت لموسى ثلاثين ليلة ثمَّ أتّمها بعشر، فلمّا مضت الثلاثون قال عدو الله السامري...
قال سعيد بن جبير: كان السامري من أهل كرمان فقال لهم: إنما اصابكم هذا عقوبة لكم بالحلي التي معكم، وكانت حلياً استعاروها من القبط، فهلمّوا بها واجمعوها حتى يجيء موسى فيقضي فيه، فجمعت ودفعت إليه فصاغ منها عجلاً في ثلاثة أيام ثمَّ قذف فيه القبضة التي أخذها من أثر فرس جبرئيل، فقال قوم موسى له: {قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} قرأ أهل المدينة وعاصم: بمَلكنا بفتح الميم، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الميم، الباقون: بكسرها، ومعناها بسلطاننا وطاقتنا وقدرتنا.
قال مقاتل: يعني ونحن نملك أمرنا، وقيل: باختيارنا.
{ولكنا حُمِّلْنَآ} قرأ أهل الحجاز والشام وحفص: حُمّلنا بضم الحاء وتشديد الميم، الباقون: حملنا بفتح الحاء والميم مخفّفة {أَوْزَاراً} أثقالاً وأحمالاً {مِّن زِينَةِ القوم} من حلي قوم فرعون {فَقَذَفْنَاهَا} فجمعناها ودفعناها إلى السامري، فألقاها في النار لترجع أنت فترى فيه رأيك {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري} ما معه من الحليّ مَعَنا كما ألقينا {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً} لا روح فيه، صاغ لهم عجلاً من ذهب مرصّع بالجواهر {لَّهُ خُوَارٌ} صوت، وذلك أنه خار خورة واحدة ثمَّ لم يعد.
قال ابن عباس: أتى هارون على السامري وهو يصنع العجل فقال: ما تصنع؟ قال: أصنع ما ينفع ولا يضر، فقال: اللهمَّ أعطه ما سألك على ما في يقينه فلمّا قال: اللهم إنّي أسألك أن يخور؛ فخار فسجد، وإنّما خار لدعوة هارون {فَقَالُواْ هاذآ إلهكم وإله موسى فَنَسِيَ} أي ضلّ وأخطأ الطريق، وقيل: معناه فتركه ها هنا وخرج يطلبه.
قال الله سبحانه {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ} يعني أنّه لا يرجع {إِلَيْهِمْ قَوْلاً} أي لا يكلّمهم العجل ولا يجيبهم، وقيل: يعني لا يعود إلى الخوار والصوت {وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ} يعني من قبل رجوع موسى {ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} ابتليتم بالعجل {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن فاتبعوني} على ديني {وأطيعوا أَمْرِي} فلا تعبدوه {قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} لن نزال على عبادته مقيمين {حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى} فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل، فلمّا رجع موسى وسمع الصياح والجلبة، وكانوا يرقصون حول العجل، قال السبعون الذين معه: هذا صوت الفتنة، فلمّا رأى هارون أخذ شعره بيمينه ولحيته بشماله وقال له {ياهرون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا} أخطأوا وأشركوا {أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} يعني أن تتّبع أمري ووصيتي ولا صلة، وقيل: معناه: ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم فتكون مفارقتك إيّاهم تقريعاً وزجراً لهم عمّا أتوه؟ وقيل: معناه: هلاّ قاتلتهم إذ علمت أنّي لو كنت فيما بينهم لقاتلتهم على كفرهم.
{فَعَصَيْتَ أَمْرِي} فقال هارون {يَبْنَؤُمَّ} قال الكلبي وغيره: كان أخاه لأبيه وأُمّه ولكنّه أراد بقوله: يا بن أُمّ أن يرقّقه ويستعطفه عليه فيتركه، وقيل: كان أخاه لأُمّه دون أبيه، وقيل: لأن كون الولد من الأُمّ على التحقيق والأب من جهة الحكم {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} يعني ذؤابتي وشعر رأسي إذ هما عضوان مصونان يقصدان بالإكرام والإعظام من بين سائر الأعضاء {إِنِّي خَشِيتُ} لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضاً فتقول: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ} وأوقعت الفرقة فيما بينهم {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} ولم تحفظ وصيّتي حين قلت لك اخلفني في قومي وأصلح.
قال قتادة في هذه الآية: فذكر الصالحون الفرقة قبلكم، ثمّ أقبل موسى على السامرىّ فقال له {فَمَا خَطْبُكَ} أمرك وشأنك، وما الذي حملك على ما صنعت {ياسامري}.
قال قتادة: كان السامري عظيماً من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة، ولكنّ عدوّ الله نافق بعدما قطع البحر مع بني إسرائيل، فلمّا مرّت بنو إسرائيل بالعمالقة وهم يعكفون على أصنام لهم فقالوا: يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فاغتنمها السامرىّ، فاتّخذ العجل فقال السامري مجيباً لموسى: {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} رأيت ما لم يروا وعرفت ما لم يعرفوا وفطنت ما لم يفطنوا، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي تبصروا بالتاء على الخطاب، الباقون بالياء على الخبر {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول} يعني فأخذت تراباً من أثر فرس جبرئيل، وقرأ الحسن فقبصت قبصة بالصاد فيهما، والفرق بينهما أن القبض بجمع الكف والقبص بأطراف الأصابع {فَنَبَذْتُهَا} فطرحتها في العجل {وكذلك سَوَّلَتْ} زيّنت {لِي نَفْسِي * قَالَ} له موسى {فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة} ما دمت حياً {أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} لا تخالط أحداً ولا يخالطك أحد، وأمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه.
قال قتادة: إن بقاياهم اليوم يقولون ذلك: لا مساس، ويقال بأنَّ موسى همَّ بقتل السامري فقال الله: لا تقتله فإنه سخىّ، وفي بعض الكتب: إنّه إنْ يمسّ واحد من غيرهم أحداً منهم حُمّ كلاهما في الوقت.
{وَإِنَّ لَكَ} يا سامري {مَوْعِداً} لعذابك {لَّن تُخْلَفَهُ} قرأ الحسن وقتادة وأبو نهيك وأبو عمرو بكسر اللام بمعنى لن تغيب عنه بل توافيه، وقرأ الباقون بفتح اللام بمعنى لن يخلفكه الله.
{وانظر إلى إلهك} بزعمك وإلى معبودك {الذي ظَلْتَ عَلَيْهِ} دمت عليه {عَاكِفاً} مقيماً تعبده.
يقول العرب: ظلتُ أفعل كذا بمعنى ظللت، ومسْت بمعنى مسست، وأحسْت بمعنى أحسست. قال الشاعر:
خلا أنّ العتاق من المطايا *** أحَسْنَ به فهنّ إليه شوس
أي أحسسن.
{لَّنُحَرِّقَنَّهُ} قرأه العامة بضم النون وتشديد الراء بمعنى لنحرقنه بالنار.
وقرأ الحسن بضم النون وتخفيف الراء من إلاحراق بالنّار، وتصديقه قول ابن عباس: فحرّقه بالنار ثمَّ ذرّاه في اليمّ.
وقرأ أبو جعفر وابن محيص وأشهب العقيلي لنحرقنه بفتح النون وضم الراء خفيفة بمعنى لنبردنّه بالمبارد، يقال: حرقه يحرقه ويحرقه إذا برّده، ومنه قيل للمبرد المحرق، ودليل هذه القراءة قول السدّي: أخذ موسى العجل فذبحه ثمَّ حرقه بالمبرد ثمَّ ذرّاه في اليّم، وفي حرف ابن مسعود: لنذبحنه ثمَّ لنحرّقنه {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ} لنذرّينه {فِي اليم نَسْفاً} يقال نسف الطعام بالمنسف إذا ذرّاه فطيّر عنه قشوره وترابه.


{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}
{إِنَّمَآ إلهكم الله الذي لا إله إِلاَّ هُوَ} لا العجل {وَسِعَ} ملأ {كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} فعلمه ولم يضق عليه، يقال: فلان يسع لهذا الأمر إذا أطاقه وقوي عليه {كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ} من الأُمور {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً} يعني القرآن {مَّنْ أَعْرَضَ} أدبر {عَنْهُ} فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً} إثماً عظيماً وحملاً ثقيلاً {خَالِدِينَ فِيهِ} لا يكفره شيء.
{وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلاً * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} قرأهُ العامة بياء مضمومة على غير تسمية الفاعل، وقرأ أبو عمرو بنون مفتوحة لقوله: {وَنَحْشُرُ المجرمين} المشركين {يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} والعرب تتشاءم بزرقة العيون. قال الشاعر يهجو رجلاً:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر *** كما كل ضبي من اللؤم أزرق
وقيل: أراد عُمياً {يَتَخَافَتُونَ} يتسارُّون فيما {بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ} ما مكثتم في الدنيا، وقيل: في القبور {إِلاَّ عَشْراً} أي عشر ليال.
قال الله سبحانه {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أي أوفاهم عقلاً وأصوبهم رأياً {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً} قصر ذلك في أعينهم في جنب ما يستقبلهم من أهوال يوم القيامة.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا} يقلعها من أماكنها ويطرحها في البحار حتى تستوي.
فإن قيل: ما العلّة الجالبة للفاء التي في قوله فقل خلافاً لأخواتها في القرآن؟
فالجواب أنّ تلك أسئلة تقدّمت سألوا عنها رسول الله فجاء الجواب عقيب السؤال، وهذا سؤال لم يسألوه بعد وقد علم الله سبحانه أنّهم سائلوه عنه فأجاب قبل السؤال، ومجازها: وإن سألوك عن الجبال فقل ينسفها {رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} أرضاً ملساء لا نبات فيها.
{لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً}.
قال ابن عباس: العوج: الأودة، والأمت الروا بي والنشوز.
مجاهد: العوج: الانخفاض، والأمت: الارتفاع.
ابن زيد: الأمت: التفاوت والتعادي.
ويقول العرب: ملأت القربة ماءً لا أمت فيه أي لا استرخاء.
يمان: الأمت: الشقوق في الأرض {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعي} الذي يدعوهم إلى موقف القيامة وهو إسرافيل {لاَ عِوَجَ لَهُ} أي لدعاته، وقال أكثر العلماء: هو من المقلوب أي لا حرج لهم عن دعاته، لا يزيغون عنه، بل يتّبعونه سراعاً.
{وَخَشَعَتِ} وسكنت {الأصوات للرحمن} فوصف الأصوات بالخشوع والمعنى لأهلها {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} يعني وطْء الأقدام ونقلها إلى المحشر، وأصله الصوت الخفي، يقال: همس فلان بحديثه إذا أسرّه وأخفاه، قال الراجز:
وهنّ يمشين بنا هميساً *** إن تصدق الطير ننك لميسا
يعني بالهمس صوت أخفاف الإبل.
وقال مجاهد: هو تخافت الكلام وخفض الصوت.
{يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} في الشفاعة {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} أي ورضي قوله.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} الكناية مردودة إلى الذين يتّبعون الداعي.
{وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} لا يدركونه ولا يعلمون ما هو صانع بهم.
{وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم} أي ذلّت وخضعت واستسلمت، ومنه قيل للأسير عان، وقال أُميّة بن أبي الصلت:
مليك على عرش السماء مهيمن *** لعزّته تعنو الوجوه وتسجد
وقال طلق بن حبيب: هو السجود.
{وَقَدْ خَابَ} خسر {مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} شركاً.
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ} قرأ ابن كثير على النهي جواباً لقوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} والباقون: فلا يخاف على الخبر. {ظُلْماً وَلاَ هَضْماً}.
قال ابن عباس: لا يخاف أن يزاد عليه في سيئاته ولا ينقص من حسناته.
الحسن وأبو العالية: لا ينقص من ثواب حسناته شيئاً ولا يحمل عليه ذنب مسيء.
الضحاك: لا يؤخذ بذنب لم يعمله ولا يبطل حسنة عملها. وأصل الهضم: النقص والكسر يقال: هضمت لك من حقك أي حططتُ، وهضم الطعام، وامرأة هضيم الكشح أي ضامرة البطن.
{وكذلك أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا} بيّنّا {فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ} القرآن {ذِكْراً} عظة وعبرة. وقال قتادة: جدّاً وورعاً.
{فتعالى الله الملك الحق} قرأ يعقوب بفتح النون والياءين، وقرأ الآخرون: بضم الياء الأولى والأُخرى وسكون الوسطى.
قال مجاهد وقتادة: لا تقرئه أصحابك ولا تُمله عليهم حتى يتبيّن لك معانيه، نهى عن تلاوة الآية التي تنزل عليه وإملائه على أصحابه قبل بيان معناها، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس.
وقال في سائر الروايات: كان النبىّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبرائيل بالوحي يقرأه مع جبرائيل، ولا يفرغ جبرائيل مما يريد من التلاوة حتى يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بأوّله حرصاً منه على ما كان ينزل عليه وشفقة على القرآن مخافة الانفلات والنسيان، فنهاه الله سبحانه عن ذلك وقال: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن} أي بقراءة القرآن {مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} من قبل أن يفرغ جبرئيل من تلاوته عليك.
{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} بالقرآن أي فهماً، وقيل: حفظاً ونظيرها قوله: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] الآية.

1 | 2 | 3